لانسيا.. تاريخ النجاح والفشل
واحدة من أقدم شركات تصنيع السيارات في العالم، تأسست عام 1906 الماركة الإيطالية Lancia Automobiles. على مدى تاريخها الطويل عاصرت النجاح والفشل، الازدهار والضمور. الكثير من موديلات لانسيا كانت شعبية في أوقات مختلفة وجلبت للشركة النجاح والشهرة، أما الفوز في رياضة سباقات السيارات جعل بعض الموديلات أيقونية لوقت طويل إن لم يكن للأبد! اليوم سيارات لانسيا أصبحت شيئاً نادراً، أن تشاهد واحدة في الشارع شيء نادر. سلسلة موديلات لانسيا أصبحت تتكون من موديل واحد Ypsilon، الهاتشباك أمامية الدفع من الفئة B.
اليوم شركة Lancia Automobiles مملوكة لواحد من رواد سوق السيارات الشركة الإيطالية الأمريكية Fiat Chrysler Automobiles، التي تحتل المركز الثامن في العالم بحجم مبيعات السيارات. عدا لانسيا، تملك FCA ماركات ألفا روميو، كرايسلر، دودج، جيب، مازيراتي، فيراري ورام.
بعد دخولها لمجموعة FCA عام 1969 استطاعت لانسيا لوقت طويل الحفاظ على تميزها واستقلالها. كانت تستمر بتطوير موديلات جديدة بنفسها. حينها ظهرت Lancia Stratos أول سيارة ذات إنتاج تسلسلي في العالم صنعت بالأساس للمشاركة في الرالي. لانسيا دلتا بتصميم من أعمال "مصمم القرن" جورجيتو جودجارو حصلت على الشهرة بفضل الانتصارات العديدة في كأس العالم للرالي وحصلت على لقب "سيارة العام في أوروبا". كما كان هناك Lancia Gamma وBeta. لكن كل هذا أصبح من الماضي. لا تظهر موديلات جديدة في الماركة ومستقبلها غامض للغاية. وFCA نفسها تعيش أوقاتاً صعبة، لذلك لا وقت لديها لمساعدة لانسيا. لكن في وقت من الأوقات كانت فيات هي من ساعدت لانسيا في الظهور.
تاريخ النشوء
من المحزن دائماً التحدث عن العظمة الماضية. عن الماضي العظيم والرائع والحاضر المتواضع. عن الشهرة الماضية والنسيان اليوم. لكن إن آمنت يمكن أن تحصل معجزة، وشركة لانسيا قد تدهشنا جميعاً في المستقبل!
فينشينسيو لانشا هو الابن الأصغر لصناعي إيطالي غني، والذي كان منذ صغره عاشقاً للآليات وكل وقت فراغه كان يقضيه في ورشة جيوفاني شيرانو، الذي كان يعمل على إنتاج الدراجات الهوائية والذي كان يطور سيارة ببنية ابتكرها بنفسه. فينشينسيو الشاب كان مهندساً ممتازاً، والذي كان يبهر بموهبته ودهائه حتى المهندسين الخبراء. حين صنع شيرانو أول سيارة له والتي أصبحت شعبية على الفور، انهالت عليه الطلبيات لإنتاجها بكميات كبيرة. لكن ورشته الصغيرة لم تكن قادرة على إنتاج عدد كبير من السيارات. وهنا جمعه القدر بجيوفاني أنييلي، الرجل القومي والضابط الجريء. بعد أن أخذت تفكيره فكرة السيارة الإيطالية، استطاع أنييلي جذب مستثمرين من رجال الأعمال وإنشاء شركة جديدة Fabrica Italiana Automobili Torino، والتي أصبحت شركة شيرانو جزءاً منها. هكذا ظهرت FIAT عام 1899.
Lancia Automobiles تأسست عام 1906 من قبل متسابق ومهندس إيطالي، هي واحدة من أقدم شركات صناعة السيارات في العالم.
بفضل مهارة لانشا ذو الـ18 ربيعاً، حصل على منصب سائق اختبار في المصنع الجديد. كان لديه الموهبة للشعور في حال كان شيء لا يعمل كما يجب. كونه سائق بارع، أصبح فينشيتسو متسابقاً على سيارات فيات. من 40 سباق شارك فيه فاز بـ18 سباق! البراعة إضافة للشجاعة سمحا لفينشيستو ليس فقط ترك أثر في تاريخ رياضة السيارات، بل أن يصبح واحداً من مؤسسي مدرسة السباقات الإيطالية! على ما يبدو، "الدم الساخن" والسعي لعصر كل إمكانيات السيارة كانت كثيراً ما تؤدي لأعطال ولا تعطي إمكانية للمتسابق الشاب إنهاء السباق. وبعد أن تسابق على سيارات الآخرين، قرر المهندس والمتسابق لانشا صناعة سيارته الخاصة. هكذا ظهر عام 1906 مصنع Lancia & Co عام 1906.
وبعد عام رأت النور Lancia Tipo 51 هي نفسها 12 HP. المحرك بـ4 أسطوانات كان يولد استطاعة 24 حصان، ما سمح للسيارة بالتسارع لـ90 كم/سا، بمقاييس ذلك الوقت كانت تعتبر سرعة كبيرة. كان في هذه السيارة حلول هندسية مثيرة: مثلاً عضاضة المحور الخلفي كانت مصنوعة بتقنية كبس المعدن، وحصل على براءة اختراع فيها، جنازير نقل الحركة استبدلت بعمود نقل حركة، فرامل يد وقدم، كل منها كان مستقلاً، محرك ذو عدد دورات كبير. أعجبت السيارة الجمهور وبدأت الطبيات على هذه السيارة تنهال على لانشا واحدة تلو الأخرى.
حكاية تسمية موديلات لانسيا مثيرة أيضاً. فكرة تسمية كل سيارة جديدة بحرف من الأبجدية الإغريقية هي مقترح جيوفاني أخ فينشيستو. لذلك وبعد وقت قصير تغير اسم Tipo 51 لـLancia Alpha. على فكرة شعار لانسيا من أعمال غراف حقيقي: الغراف كارلو بيسكاريتي دي روفيا، والذي بطلب من فينشيستو رسم شعار على شكل شجرة وعلم وكلمة لانسيا مكتوبة على مقود من ذلك الزمن. شعار لانسيا هذا وصل لزمننا دون تغيير تقريباً وفقط عام 2007 تم تعديله ليلائم التوجهات الحديثة في التصميم.
في عام 1915 بدأت لانسيا إنتاج أولى شاحناتها: Jota، والتي سمحت بنيتها الناجحة والطلب العالي عليها للشركة أن تصنع سلسلة كاملة من الموديلات التجارية. كما كان هناك الموديل Theta، الذي دخل تاريخ عالم السيارات كأول سيارة كانت تزود بأضواء من المصنع. عدا هذا كان في Theta تشغيل كهربائي للمحرك. تقريباً كل السيارات الجديدة للانسيا كان يقابلها الجمهور بكل حرارة. كلها تقريباً كان فيها حلول فريدة وابتكارية والتي لم يستخدمها أحد من قبل.
على فكرة، فينشيستو لانشا أسس عام 1930 مع باتيستا "بينين" فارينا وبيترو موناتيللي ورشة الهياكل Pininfarina. لانشا على مدى حياته استطاع النجاح في الكثير من الأشياء: أصبح متسابقاً شهيراً، مهندساً مبدعاً، رجل أعمال ناجح وأنشأ شركة سياراته الخاصة، والتي بقيت على مدى عقود ناجحة. فينشيستو لانشيا شارك بشكل أو بآخر في الكثير من الأحداث المصيرية لذلك الوقت: من إنشاء شركة FIAT، استوديو Pininfarina، حلبة سباقات Monza، في تطوير بنى جديدة كلياً والتي تستخدم في صناعة السيارات إلى اليوم.
فينشيستو لانشيا شارك بشكل أو بآخر في الكثير من الأحداث المصيرية لذلك الوقت: من إنشاء شركة FIAT، استوديو Pininfarina، حلبة سباقات Monza، في تطوير بنى جديدة كلياً والتي تستخدم في صناعة السيارات إلى اليوم.
قد يكون السبب أن رياضة سباقات السيارات هي من شتتت لانشا عن صناعة موديل ناجح من لانسيا ذو إنتاج تسلسلي وقادر على منافسة منافسين أقوياء مثل فيراري؟ بمشاركته في كل السباقات المرموقة لذلك الوقت كانت الشركة تحسن سياراتها باستمرار، كانت تتعلم من الفشل وتعمل على الفوز. لكن بعد مصرع المتسابق أسكاري، توقفت لانسيا عن أي مشاركة في السباقات. كل الأملاك، بما فيها السيارات السباقية أعطتها لشركة فيراري. سخرية القدر تكمن في أن المتسابق خوان مانويل فانهيو حصل على البطولة خلف مقود لانسيا D-50 معدلة والتي حصلت على اسم Ferrari-Lancia. الوفاة الأليمة للمتسابق وكأنها وضعت بداية للأحداث المصيرية للشركة. تكاثفت الغيوم فوق لانسيا وأصبح الوضع المادي صعباً. واضطرت عائلة لانسيا التخلي عن شركتها.
لكن مهما كان استمرت حياة الشركة! وفي عام 1957 ظهرت Lancia Flaminia، والتي أصبحت الأعلى فئة في سلسلة الموديلات. هذه السيدان الشهيرة بطول 5 أمتار تقريباً كانت من تصميم استوديو Pininfarina، والذي بناءً على طلب الرئاسة الإيطالية تم تجهيز الإصدار الطويل منها لاستقبال الملكة إليزابيث الثانية، وكان الإصدار الطويل يحمل الاسم Presidenziale. سيارتين من هذه الليموزين إلى اليوم في الخدمة. التصميم الأنيق وعلاقتها بالحياة الفاخرة جذبت الكثير من المشاهير للموديل Flaminia، الذين أرادوا الحصول عليها في مجموعتهم. اليوم يمكن اعتبارها بجدارة واحداً من أرقى موديلات ماركة Lancia.
تحت جناح فيات
في عام 1969 لم تتحمل لانسيا الضغط المالي وحاجتها الدائمة للاستثمارات وانتقلت تحت إدارة عملاق السيارات FIAT. يبدو هنا أن حكاية لانشيا يجب أن تنتهي لكن لا! كانت أمام لانسيا سنوات من النجاح! Lancia Montecarlo Turbo شاركت في سباقات التحمل: 24 ساعة دايتونا، 1000 كم في حلبة نيوربورغ رينغ، 24 ساعة لي مان وحصلت على البطولة مرتين! لانسيا ستراتوس الشهيرة فازت مراراً بكأس العالم. أما لانسيا دلتا S4 بمحرك 1.8 ليتر كانت تولد استطاعة 480 حصان، وتتسارع للـ"مئة" خلال 2.5 ثانية!
في ثمانينات القرن الـ20 كانت سيارات لانسيا تحظى بشعبية هائلة لدرجة أن مستوى مبيعاتها ساعد أيضاً شركة FIAT في تربع مكانة مرموقة بين المنتجين الأوروبيين لتسبق حتى Volkswagen. المثير أنها على موجهة النجاح وقعت لانسيا عقد شراكة مع SAAB السويدية وكانت دلتا تباع عدة سنوات في السويد، فنلندا والنرويج تحت اسم SAAB 600. كما تعاونت لانسيا مع مجموعة PSA وبالمحصلة ظهرت الميني فان بـ7 مقاعد لانسيا Z .
الليموزين الكشف Lancia Flaminia Presidenziale التي اسقبلت الملكة إليزابيث الثانية، إلى اليوم هذه السيارة في الخدمة.
دلتا فائقة السرعة فازت لـ6 سنوات على التوالي في سباقات الرالي وحققت رقماً قياسياً! انتهت المشاركات اللامعة للانسيا دلتا عام 1993، لكن بذلك الحين أصبحت تعتبر سيارة أيقونية الأمر الذي ساهم كثيراً في مبيعات "الإصدار المدني". كما كان هناك اللؤلؤة الحقيقية Thema، خاصة إصدارها 8.32 الذي أنتج عام 1986 بمحرك V8 من Ferrari 308 GTB! بهذا المحرك كانت Lancia Thema تتسارع لـ100 خلال 6.8 ثانية!
يمكن تعداد موديلات لانسيا التي كانت شعبية في أوقات مختلفة لوقت طويل، وهذه الموديلات جلبت للشركة النجاح والشهرة. لكن كان للقدر مشاريع أخرى وشاء أن شركة فيات التي كانت عند منابع لانسيا، والتي ساعدت في إعادة إحيائها توقفت تقريباً عن تمويل هذه الماركة الإيطالية الفاخرة وفعلياً أوقفت وجودها وتركت موديلاً وحيداً للانسيا ينتج اليوم.
بعد أن تتعرف على السيارات الأسطورية لهذه الشركة ترفض أن تصدق أن التاريخ الغني والمثير لهذه الماركة الإيطالية، والتي كان لها مساهمة كبيرة في تطوير صناعة السيارات الإيطالية والعالمية انتهى. لكن كلنا نأمل على إعادة ولادة جديدة لهذه الماركة الإسطورية.