مايباخ.. الإنسان والسيارة. وقائع العظمة
تاريخ Maybach واحد من الأكثر إثارة للجدل في عالم السيارات. يمكن أن تعثر فيه على فترات تقدمية وأوقات مظلمة. كان فيه حتى موت الماركة ومحاولة لإعادة إحيائها، وهذا التاريخ مستمر لليوم أمام أعيننا.
الأب العالمي لصناعة السيارات
أفغوست فيلهيم مايباخ - تربى في مؤسسة لإعانة الفقراء Reutlinger Bruderhaus (البيت الأخوي روتلينغير) التي يديرها القس غوستاف فيرنير. المؤسسة على ما يبدو كانت راقية للغاية، لأن اليتيم الفقير فيلهيلم فيرنير حصل ليس فقط على التعليم، بل على مهنة مثيرة والتي تسمى اليوم بالتصميم الصناعي - كانت لديه الموهبة لرسم مخططات وصناعة تجهيزات تقنية معقدة. هناك في "البيت الأخوي" عام 1863 فيلهيلم مايباخ تآخى مع غوتليب دايملر، الذي كان يدير مصنع داخل في إطار المؤسسة التعليمية. فهم دايملر بسرعة أن الشاب فيلهيلم مايباخ هو عبقري تقني وأخذه تحت جناحه. استمر تعاونهم حتى عام 1900 والذي بالمحصلة حدد ملامح صناعة السيارات. كان يعمل مايباخ في هذا الثنائي بتحسين وتطوير المحركات في مختلف الشركات التي كان يأخذه إليها دايملر معه.
في نهاية 1883 حصل دايملر ومايباخ على براءة اختراع على أول محرك صنعوه. صغير وقوي كفاية. هكذا تحدد المنحى الرئيسي لعمل مايباخ - صناعة محركات أكثر كمالاً. بعد بضعة سنوات تمت صناعة على أساس أول محرك سلف كل محركات البنزين الحديثة Grandfather Clock engine. أما الإصدار المصغر من هذا المحرك تم تركيبه على دراجة هوائية خشبية: عيد ميلاد سعيد أيتها الدراجة النارية! حينها اخترع دايملر ومايباخ المفحم، ما أعطى أيضاً منحى لتطور صناعة السيارات لوقت طويل. عيد ميلاد سعيد أيها المفحم!
ثم قام دايملر ومايباخ ببناء أول سيارة لهم. من ناحية التسلسل الزمني لم تكن الأولى، لكن أول سيارة تم تطويرها من الصفر. إذ كانت عبارة عن سيارة حقيقية، وليست عربة أحصنة بمحرك احتراق داخلي. هذا الحدث العظيم حصل عام 1889. وفي نفس الوقت تقريباً توصل الأخوين بالمصلحة لابتكار أكثر ثورية لكن لم يقدر بحق، والذي أثر على تطور البشرية بالكامل. بمحصلة النقاشات الطويلة توصل مايباخ ودايملر لاستنتاج أنه في محرك الاحتراق الداخلي من الأفضل استخدام البنزين من وقود آخر. البنزين حينها كان يباع في الصيدليات كمادة لتنظيف الملابس.
دايملر ومايباخ تحديداً "مذنبين" في أن البشرية تركب اليوم سيارات تعمل بالبنزين.
في عام 1890 قام دايملر بالتعاون مع فيلهيلم مايباخ وماكس دوتيهوفير (صناعي ألماني كبير) بتأسيس شركة Daimler-Motoren-Gesellschaft (DMG). كانت الشركة تنتج محركات احتراق داخلي صغيرة، والتي كما تبين يمكن استخدامها في أي نوع من وسائل النقل - على الأرض، على الماء وفي الجو. كما يقال هذا المبدأ أصبح أساس شعار مرسيدس النجمة الثلاثية. عدا المحركات نفسها حاولت الشركة إنتاج سيارات مزودة بمحركها. بمحصلة ظروف الحياة بقيت DMG بعض الوقت بدون دايملر الأب (كان يعمل في الشركة ابن غوتليب - باول) وبدون مايباخ. لكن في عام 1894 اشتري الصناعي البريطاني فريديريك سيمس حقوق المحرك الجديد من دايملر "Phoenix" وأصر على يعود دايملر الأب ومايباخ للشركة.
استمر العمل المشترك المثمر للمهندسين الألمانيين الموهوبين، لكن للأسف لم يستمر لوقت طويل. في عام 1900 توفي غوتليب دايملر نتيجة مرض قلبي، لكن عمله يعيش لليوم. أما مايباخ في نفس العام أهدى العالم نوع جديد بالكامل من السيارات، والذي سمي Mercedes 35 PS. عيد ميلاد سعيد مرسيدس! سجلت DMG رسمياً الماركة التجارية Mercedes في يونيو 1902.
DMG بدون دايملر لم تعد كما كانت، لذلك قام مايباخ بجمع مخطوطاته وغادر الشركة وانضم للغراف فيرديناند فون زيبلين، الذي كان يطلب لوقت طويل من مايباخ العمل على المناطيد. فيلهيلم مايباخ وابنه كارل بدأوا العمل عام 1909 في شركة Luftfahrzeug-Motoren-GmbH، والتي تم تغيير اسمها لاحقاً لـMaybach-Motorenbau GmbH (Maybach Engine Construction Company). في عام 1916 طوروا محرك طيران فريد باستطاعة 160 حصان وحتى باعوا بضعة آلاف من المحركات في ذلك الحين، إلى أن خسرت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
واحدة من تبعات الخسارة في الحرب كانت أن ألمانيا منعت من إنتاج المناطيد. بالمحصلة أجبر مايباخ للانتقال لإنتاج محركات الديزل عالية السرعة للنقليات البحرية العسكرية والسكك الحديدية، ومحركات البنزين للسيارات. لكن في تلك الفترة كانت ألمانيا تمر بفترة عصيبة ولم يكن هناك مصانع سيارات كبيرة، أما بالنسبة للشركات الصغيرة كانت محركات سيارات مايباخ غالية الثمن. كانت شركة Spyker الهولندية مستعدة لشراء المحركات، لكن لم تعجب الشروط مايباخ وقرر صناعة السيارات بنفسه.
Maybach Automobiles und MTU Friedrichshafen GmbH
منذ بداية مسيرته المهنية كصانع سيارات، قرر مايباخ ألا يعمل بالأشياء السخيفة بل إنتاج سيارات بأعلى جودة. المرحلة الأولى من ماركة Maybach لم تكن طويلة. أول موديلين كانا أكثر نماذج W 1 وW 2. على الرغم من هذا عيد ميلاد سعيد مايباخ! في عام 1921 تم تطوير مايباخ W 3- أول سيارة تسلسلية الإنتاج بمحرك 6 أسطوانات بصف واحد باستطاعة 70 حصان. عرض الموديل في معرض سيارات ببرلين عام 1921. بعد W 3 صدرت W 5 عام 1927. في عام 1930 ظهر الموديل W 6 والموديلين الشهيرين Maybach Zeppelin Typ DS 7 وMaybach Zeppelin Typ DS 8. مايباخ زيبلين هي سيارة بطول 4 أمتار ووزن 3 طن، ثقيلة لدرجة أنه في ألمانيا كانت تتطلب رخصة خاصة. أما استطاعة المحرك ليست سيئة حتى بالمعايير الحديثة 200 حصان. سيارات Maybach لم تكن فقط رائعة بالنسبة لوقتها، بل وحققت نجاحاً حقيقياً، بما أنها بمواصفات قريبة كانت أرخص من سيارات من نفس الفئة من ماركات أخرى.
في عام 1940 صدرت سلسلة كاملة من تحديثات W 5، منها Maybach Typ DSH والموديلات SW. لكن كل هذا حصل بدون فيلهيلم، الذي توفي عام 1929. على الرغم من مساهمته الكبيرة في مجال صناعة السيارات ومهارة صناعة أفضل سيارات في عصره، بقيت لفيلهيلم مايباخ الأولوية أن تكون لديه إمكانية الإبداع. كما وأي مبدع مجنون من نهاية القرن الـ19 بداية القرن الـ20 كان مايباخ متواضعاً للغاية ولم يكن لديه أبداً سيارته الشخصية، كان يفضل التنقل بالمواصلات العامة أو مشياً على الأقدام.
كان مايباخ متواضعاً للغاية ولم يكن لديه أبداً سيارته الشخصية، كان يفضل التنقل بالمواصلات العامة أو مشياً على الأقدام.
بعد أن وصل النازيون للحكم في ألمانيا أعادوا تهيئة مصنع السيارات لإنتاج محركات الدبابات والآليات نصف المجنزرة. هو وقت مظلم في تاريخ الشركة. أحد أبناء فيلهيلم كارل مايباخ كان من المقربين من هتلر، لذلك كما يعتقد حصل على الحق الاستثنائي لإنتاج المحركات للآليات العسكرية. أما الابن الآخر لفيلهيلم أدولف مايباخ في إطار برنامج "تصفية العرق" قتل كونه "غير متكامل" بما أنه كان يعاني من الشيزوفرينيا منذ الطفولة.
في عام 1945 دمر الطيارون الأمريكيون مصنع مايباخ. اعتقل كارل مايباخ وحتى عام 1952 بقي يعمل لصالح الجيش الفرنسي في Laboratoire de recherches balistiques et aéro-Dynamiques في فيرونا، حيث كان يطور محركات للدبابات. بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية لم يستمر إنتاج السيارات في مصنع Maybach Automobiles. استمر المصنع بإنتاج محركات الديزل.
في بداية الـ60نات اشترت شركة Daimler-Benz الشركة وغيرت اسم الشركة لـMTU Friedrichshafen GmbH. تابعوا في المصنع تطوير وإنتاج المحركات وفقاً لاحتياجات Daimler-Benz. عملياً كانت Maybach تنتج السيارات أيضاً، لكن إصدارات خاصة W108 وW116، التي كانت تجمع يدوياً وبالطبع كانت تنتمي لماركة Mercedes. شركة MTU موجودة إلى اليوم وتعمل بنفس الشيء تقريباً، لكن الآن تدخل ضمن شركة رولس رويس ولا علاقة لها بماركة Maybach على الإطلاق.
Maybach-Manufaktur
سيارات مايباخ ما قبل الحرب خاصة العملاق زيبلين - هي سيارات كلاسيكية أيقونية. هكذا ماركات لا تموت نهائياً، ويحاول منتجو السيارات إحيائها بين الحين والآخر. هذا ما حصل لماركة Maybach. في عام 2000 قامت كل من Daimler-Benz وDaimler Chrysler (اليوم Daimler AG) بالإعلان عام 2002 عن عودة ماركة سيارات Maybach. سبق ذلك تقديم Mercedes-Benz السيارة النموذج لمايباخ في معرض سيارات طوكيو عام 1997.
سيارات السيدان من المستوى الفاخر ماركة Maybach أنتجت بين عامي 2002 و2012 في مصنع Maybach-Manufaktur، الذي كان تابعاً لـMercedes-Benz Cars في مجموعة Daimler Group. على مدى عشر سنوات أنتجت الشركة سلسلة كاملة من السيارات الرائعة (الأرقام هي طول الهيكل بالديسيمتر):
- Maybach 57
- Maybach 62
- Maybach 57 S
- Maybach 62 S
- Maybach 57 Zeppelin
- Maybach 62 Zeppelin
- Maybach 62 S Coupé
- Maybach 62 S Landaulet
- Maybach Exelero (نموذج).
من الناحية التقنية موديلات مايباح الجديدة مبنية على شاسيه مرسيدس من الفئة S السلسلة 140، التي أنتجت بين عامي 1991 و1998. كان من المفترض أن تسمح مايباخ لمرسيدس منافسة رولس رويس وبينتلي. لكن لم تفلح في هذا. من وجهة النظر التجارية لم يكن المشروع ناجحاً. السيارات كانت تباع بصعوبة لسبب ما، ولم يكسب المنتج منها شيء بل وخسر حتى.
Maybach كماركة مستقلة زالت عن الوجود عام 2012.
من بين سلبيات مايباخ شاسيه الفئة S، والمبدأ نفسه في صناعة سيارة فاخرة على شاسيه سيارة عادية ولو كانت هذه السيارة مرسيدس. هذا انعكس ليس بالشكل الجيد على ديناميكية القيادة. عدا هذا لم تكن مايباخ معروضة كسيارة للقيادة الفاخرة بل كسيارة للجلوس الفاخر في مقعد الراكب في الخلف، أما في الـ2000نات لم يعد هذا مطلوباً. ضمن محاولات الحفاظ على الماركة لم تترك Daimler AG محاولات تطوير موديلات جديدة من مايباخ بالتعاون مع Aston Martin. لكن حتى هذا لم ينجح. بالمحصلة Maybach كماركة مستقلة زالت عن الوجود عام 2012.
Mercedes-Maybach
في عام 2014 أعلنت Daimler عن إعادة إحياء الاسم Maybach كاسم تابع لـMercedes-Benz S-Class(W222)، لكن قريب من الماركة التابعة Mercedes-AMG. بإطلاقها مايباخ الجديدة أظهرت مرسيدس نيتها منافسة السيارات الفائقة الفخامة Bentley Mulsanne, Rolls-Royce Phantom, Bentley Flying Spur وRolls-Royce Ghost. في الوقت الحالي أنتجت سيارات مايباخ التالية:
- Mercedes-Maybach S600
- Mercedes-Maybach S500
- Mercedes-Maybach S600 Pullman
- Mercedes-Maybach S 650 Cabriolet
- Mercedes-Maybach S550
- Mercedes-Maybach S650
- Mercedes-Maybach G 650 Landaulet
- Mercedes-Maybach GLS600.
تبدو كلها راقية للغاية، مثل مرسيدس S 550 أو S 560، لذلك يحبون استخدامها، لكن بعد تطويرها كسيارات رسمية لرؤساء الشركات الكبيرة، المافية، الديكتاتوريين في دول العالم الثالث وغيرهم من الأغنياء والمشاهير. هي لا تبدو فائقة للطبيعة أو خارقة الجمال مثل Mercedes-Maybach 6 أو Mercedes-Maybach 6 Cabriolet. أو أنها تثير مشاعر عسكرية في حال كانت على هيئة G 650 Landaulet. مايباخ موجودة حتى على هيئة إس يو في فائقة الفخامة مثل Mercedes-Maybach GLS 600. في عام 2021 ظهرت مايباخ على شكل نموذج كهربائي ساطع Mercedes-Maybach Concept EQS. بأي من تجلياتها مايباخ الحديثة من Mercedes-Maybach هي قمة الفخامة، ضخمة وثقيلة، مثالية من الناحية التقنية، مريحة بشكل استثنائي. يبقى علينا أن نأمل أن المؤسس العظيم أفغوست فيلهيلم مايباخ لم يكن لخاب أمله بالماركة التي أعيد إحيائها بعد كل هذه السنوات.
